غزة: المدينة التي أرهقتها الحروب
غزة، تلك المدينة التي كانت يومًا ما مليئة بالحياة والأمل، أصبحت اليوم رمزًا للدمار والمعاناة. كل ركن فيها يحمل آثار الحروب التي لا تتوقف، وكل جدار فيها يروي قصة من الألم والصمود. كبرتُ وأنا أسمع عن غزة، المدينة التي لا تستسلم أبدًا، لكنني اليوم أرى غزة مختلفة تمامًا عما عرفتها. مدينة تحتضر ببطء تحت وطأة الحروب المستمرة والصراع الدامي بين حماس وإسرائيل.
لقد دُمرت غزة بشكل لا يمكن تصوره. الأبنية التي كانت يومًا ما تعج بالحياة أصبحت الآن ركامًا. المدارس التي كانت مليئة بأصوات الأطفال أصبحت ذكريات لماضٍ بعيد. المستشفيات التي كانت ملجأً للمرضى والجروح تحولت إلى ساحات للموت والألم. كل شيء في غزة يحمل ندوب الحرب، من الشوارع المهجورة إلى العيون التي باتت ترى في كل زاوية فيها مشهدًا من الفاجعة.
ما يثير الغضب في نفسي هو أن هذا الدمار لم يكن قضاءً وقدرًا، بل نتيجة لصراعٍ سياسي دموي لا نهاية له. بين حماس التي تزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية، وبين إسرائيل التي تتذرع بالدفاع عن أمنها، ضاعت غزة وضاع معها مستقبل أبنائها. كل طرف له حساباته وأجنداته، لكن الثمن يدفعه الناس العاديون، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في هذه البقعة المنسية من العالم.
أطفال غزة، الذين كان ينبغي أن ينشأوا في سلام وأمان، كبروا في ظل الحرب والخوف. مستقبلهم، الذي كان يجب أن يكون مليئًا بالأمل والطموح، أصبح مظلمًا وغير واضح. لقد سُرقت منهم طفولتهم، وضاع حلمهم بمستقبل أفضل بسبب حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
الغريب في الأمر أن العالم يراقب بصمت، وكأن ما يحدث في غزة هو مجرد مشهد عابر في فيلم طويل. لكن بالنسبة لنا، غزة ليست مجرد خبر في نشرة الأخبار. إنها وجع في القلب، إنها مرارة في الحلق، إنها شعور بالعجز والخيبة. أن ترى مدينة بكاملها تُدمر، وأن تعرف أن هذا الدمار كان يمكن تجنبه، هو شعور لا يمكن وصفه.
لقد أصبح من الواضح لي أن غزة ليست ضحية لحرب واحدة فقط، بل هي ضحية لعدة حروب: حرب الاحتلال، حرب السياسة، حرب الصراعات الداخلية. كل طرف يسعى لتحقيق مكاسب على حساب سكان غزة، وكل قذيفة تسقط تُحطم معها قطعة من هذه المدينة الجريحة.
لكن رغم كل هذا، تظل غزة صامدة. تظل قادرة على الحياة، ولو بشكل بسيط ومتواضع. الناس في غزة لا زالوا يحاولون العيش، يحاولون بناء حياتهم من جديد، يحاولون التمسك بأمل ضعيف في مستقبل أفضل. وهذا هو الأمر الذي يعطيني قليلًا من الراحة، أن غزة لم تستسلم بعد. ولكن إلى متى يمكن لغزة أن تتحمل؟ كم من الحروب والدمار يمكن أن تحتمل قبل أن تنهار تمامًا؟
لقد آن الأوان لأن يفهم الجميع أن غزة ليست ساحة للصراع السياسي، وليست ملعبًا للحروب المستمرة. غزة هي مدينة لها حق في الحياة، وأهلها لهم حق في العيش بسلام وأمان. حان الوقت لأن يتوقف هذا الدمار العبثي، وأن يُمنح أهل غزة فرصة لبناء حياتهم من جديد، دون خوف من حرب جديدة أو قصف جديد.
غزة كانت وما زالت تستحق أفضل من هذا. تستحق أن تُحب، أن تُحترم، أن تُعطى فرصة للحياة. أما أنا، فلا يمكنني سوى أن أحمل في قلبي الأمل بأن يأتي يوم تُشفى فيه جراح غزة، وتعود لتكون المدينة التي لطالما أحببناها وحلمنا بها.
Comments
Post a Comment