خانيونس: جرح جديد ينزف في غزة

بالأمس، استيقظت خانيونس على قصف جديد، كأنه أصبح جزءًا من روتين حياتنا اليومية. لا أزال أتذكر صوت الانفجارات التي هزت المدينة، مشهد الدخان المتصاعد من البيوت التي كانت حتى لحظات قليلة فقط ملاذًا آمنًا لأهلها. لا يمكنني أن أصف مشاعري بكلمات، فالألم الذي شعرنا به جميعًا لا يُترجم بسهولة إلى حروف.

خانيونس، المدينة التي لطالما عُرفت بصمودها وشجاعتها، باتت اليوم رمزًا آخر للمعاناة في غزة. في كل مرة تتعرض فيها هذه المدينة للقصف، أشعر وكأن جزءًا من روحها ينكسر. ولكن ما يؤلمني حقًا هو أن هذا القصف ليس جديدًا علينا، وليس فريدًا في قسوته؛ إنه جزء من دائرة لا نهاية لها من العنف الذي يحاصرنا من كل جانب.

عندما ذهبت لرؤية الدمار بعد القصف، لم أجد سوى وجوه تحمل قصصًا من الألم والفقدان. منازل تحولت إلى ركام، وأسر تبحث عن بقايا أمل وسط الأنقاض. كل زاوية من المدينة كانت تحكي قصة جديدة من الحزن. رأيت أطفالًا يبكون وأمهات يحتضن أطفالهن، وكأن هذا الحضن هو الحماية الوحيدة التي بقيت لهم في هذا العالم القاسي.

الأمر الذي يجعل هذا القصف أكثر إيلامًا هو معرفة أنه ليس هناك مكان آمن في غزة. كل مدينة، كل حي، كل منزل يمكن أن يكون هدفًا في أي لحظة. خانيونس ليست استثناءً، بل هي جزء من هذا الواقع المرير الذي نعيشه يوميًا. وهذا ما يجعلنا نشعر بالحصار الحقيقي، ليس فقط حصارًا جغرافيًا، بل حصارًا نفسيًا ومعنويًا.

أتساءل كيف يمكننا أن نتحمل كل هذا الألم دون أن نفقد إنسانيتنا. كيف يمكن لأهل خانيونس أن يستمروا في العيش بعد أن فقدوا أحباءهم وبيوتهم؟ ولكنني أعرف الجواب: إنه الصمود، تلك الكلمة التي أصبحت شعار حياتنا. نحن نصمد لأننا لا نملك خيارًا آخر. نحن نصمد لأننا نؤمن أن هناك يومًا سيأتي فيه السلام.

لكن حتى يأتي ذلك اليوم، سنظل نعيش في خوف دائم من القصف التالي. سنظل نبحث عن أماكن آمنة لأطفالنا، ونحاول جاهدين أن نحافظ على بقايا حياتنا. إن ما حدث في خانيونس بالأمس ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو جزء من سلسلة طويلة من المآسي التي تحيط بنا. ومع ذلك، سنبقى هنا، في مدينتنا، مهما كانت الصعاب.

ربما يكون هناك يوم تأتي فيه خانيونس ويعيش أهلها في أمان وسلام، ولكن حتى ذلك اليوم، سنظل نحمل هذا الألم في قلوبنا، وسنظل نتذكر كل لحظة من هذه الحرب. خانيونس ستظل رمزًا للصمود، وستظل حية في ذاكرة كل من عاش فيها وشهد دمارها.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟