من غزة: يوميات فتاة تحت الحصار

أنا فتاة من غزة، أعيش في مكان يعرفه العالم كله بالأخبار والتقارير، ولكن قليلين فقط من يفهمون ما يعنيه العيش هنا، تحت الحصار، وسط الدمار، بين أصوات الطائرات والانفجارات. حياتي اليومية ليست كسائر الفتيات في بقاع أخرى من العالم. بينما تنشغل الفتيات هناك بالدراسة أو العمل أو حتى التخطيط للمستقبل، نحن هنا في غزة نعيش لحظة بلحظة، لا نعلم إن كنا سنرى الغد.

كل صباح أستيقظ على أصوات القصف أو الطائرات التي تجوب السماء، ولكن ما يؤلمني أكثر هو الشعور الدائم بالخوف والقلق. حياتنا ليست طبيعية. نحن لا نحلم بمستقبل بعيد، بل نحاول فقط أن نمر بيومنا بأمان. كل يوم نتساءل: هل سيكون اليوم هو الأخير؟ هل سنظل أحياء حتى المساء؟

عندما أخرج من البيت، أرى وجوه الناس تحمل في ملامحها الكثير من الصبر والقوة، ولكن خلف تلك الوجوه الحزينة، تختبئ قصص المعاناة. نعيش تحت الحصار الذي يخنق حياتنا، لا كهرباء، لا ماء نظيف، وأحيانًا حتى الطعام نبحث عنه ولا نجده. كل شيء نحتاجه هنا يبدو كأنه مستحيل.

أقف ساعات في طابور طويل فقط من أجل الحصول على بعض الخبز، أو ربما قليل من الوقود لتشغيل مولد صغير قد يضيء لنا غرفة واحدة في المنزل. عندما يحل الليل وتغرق المدينة في الظلام، يكون ذلك اللحظة التي يزداد فيها الخوف. صوت الطائرات يحوم فوقنا، والقلق من أن يكون المنزل هدفًا لهذه الطائرات لا يفارق عقولنا.

الدراسة التي كانت حلمي أصبحت تحديًا يوميًا. أحاول أن أدرس في الظلام، على ضوء شمعة، أو أحيانًا أذهب إلى مكان عام حيث يمكنني شحن هاتفي أو جهاز الكمبيوتر. لكن حتى مع هذا، لا أستطيع التركيز دائمًا. كيف يمكن لعقلي أن ينشغل بالدراسة بينما قلبي يخشى الانفجار القادم؟

كلما نظرت إلى أمي، أرى في عينيها قوة لا تصدق، لكنها أيضًا مرهقة. هي وكل النساء في غزة تحملن مسؤولية كبيرة في ظل غياب الكثير من الرجال. نحاول أن نبقى صامدين، نعتني بأشقائنا الأصغر، نبحث عن الطعام والماء، ونحاول أن نبني حياة من بين الأنقاض.

رغم كل هذا، هناك شيء في قلبي لا ينكسر. هو الأمل. الأمل بأن هذا الحصار سينتهي يومًا ما. أن الحياة هنا ستعود إلى طبيعتها، أنني سأتمكن يومًا من العيش بدون خوف، بدون قلق.

أنا لست الوحيدة هنا التي تعيش هذه الظروف. كل فتاة في غزة لها قصتها الخاصة، قصص عن الخسارة، عن التحدي، وعن الصمود. نحن لسنا ضحايا فقط، نحن أقوياء، نقاتل كل يوم من أجل أن نحافظ على كرامتنا وإنسانيتنا.

هذه هي حياتي في غزة، حياة مليئة بالخوف والتحدي، ولكن أيضًا بالأمل والقوة. نحن هنا، نعيش رغم كل شيء، ونأمل أن يأتي اليوم الذي نصبح فيه أحرارًا، نعيش بدون قيد أو خوف.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟