شتاء غزة: معاناة في قلب المطر والصمود تحت الأنقاض

 في شتاء غزة، يصبح البرد أكثر قسوة من أي مكان آخر، لأنه يأتي محملاً بذكريات الألم، والحروب التي لا تنتهي، والخوف الذي يتجدد مع كل رعد وقطرة مطر. عندما تبدأ السحب الداكنة بالتجمع في السماء، نعرف أن الشتاء قد وصل، لكن في غزة، الشتاء ليس مجرد فصل سنوي عابر، بل هو اختبار جديد للمجموعة الصغيرة من البشر الذين يحاولون العيش في ظل ظروف مستحيلة.

عندما يهطل المطر في غزة، لا يسعده الكثيرون كما يفعل الناس في أماكن أخرى. على العكس، يثير المطر في قلوبنا القلق. نعلم أن الأمطار التي تبدأ خفيفة قد تتحول إلى سيول تجرف معها الأحلام، تملأ الشوارع المدمرة، وتغرق البيوت التي بالكاد نجت من أهوال الحرب. الشوارع الضيقة تتحول إلى برك مائية قذرة، تتسرب المياه إلى داخل المنازل القديمة التي لا تجد فيها العائلات مكانًا جافًا. الجدران المتهالكة تهدد بالانهيار، والنوافذ التي لم تُغلق بشكل جيد تجعل الرياح الباردة تتسلل إلى الداخل.

وفي هذا الفصل، تتضاعف المعاناة. العائلات التي تعيش في منازل مهدمّة تواجه تحديات يومية: البرد القارس، غياب الكهرباء لساعات طويلة، وعدم القدرة على توفير التدفئة للأطفال. لا يملك الكثيرون رفاهية الذهاب إلى مكان آخر، ولا يوجد مكان يهربون إليه من هذا الشتاء القاسي. الأطفال لا يستطيعون اللعب في الشوارع المليئة بالمياه والطين، لأن الخوف يلاحقهم في كل زاوية. في بعض الأحيان، يضطر الآباء إلى النوم في وضعيات غريبة ليتجنبوا تسرب المياه إلى أسرتهم، بينما يظل العقل مشغولًا بالتفكير في كيفية تأمين الطعام والدواء.

ولكن حتى في هذا الشتاء الصعب، هناك شيء في غزة لا ينكسر، وهو روح الأمل. مع كل قطرة مطر، ومع كل رعد يهز السماء، يظل الناس هنا يقاومون. رغم الصعوبات، رغم العتمة، ورغم كل ما يعانونه من نقص في المستلزمات الأساسية، يبقى الأمل مشعًا في القلوب. تجتمع العائلات حول المدافئ الصغيرة، حيث ينشغلون في الحديث عن المستقبل، وعن كيفية تجاوز هذه الأيام الصعبة. وإذا كانت غزة قد تعودت على الجراح، فإنها أيضًا اعتادت على النهوض مرة أخرى.

شتاء غزة ليس مجرد حالة من الطقس القاسي، بل هو رمز للمعاناة المستمرة، ولصمود الناس الذين رغم كل شيء، لا يزالون يعتقدون أن الصباح سيأتي يومًا.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟