عندما تمطر في غزة: بين نعمة السماء ونقمة الواقع

 

في ليلة هادئة من ليالي غزة، حين تظن أن الظلام هو كل ما يمكن أن يضيفه القدر إلى أيامنا القاسية، جاءت الأمطار لتذكرنا أن المعاناة في هذا المكان تأبى إلا أن تتخذ أشكالاً جديدة. صوت المطر كان في البداية عزفًا طبيعيًا، يحكي عن الأمل الذي يزرعه المطر في الأرض، لكنه سرعان ما تحول إلى كابوس حين بدأ يتسرب إلى خيامنا، ويغمر أحلامنا البسيطة.  

أعيش أنا وعائلتي في خيمة لا تحمي من البرد ولا تصد الرياح، فكيف لها أن تواجه أمطارًا غزيرة كهذه؟ الماء لم يطرق الباب بل دخل بقوة، بلا استئذان. سرعان ما وجدت نفسي أركض مع أمي وأخوتي لجمع ما يمكن إنقاذه من الملابس القليلة التي نملكها، بينما أبي يحاول حفر قناة صغيرة خارج الخيمة ليصرف الماء بعيدًا. لكن المطر كان أسرع منا جميعًا.  

لم يكن هناك مكان جاف نلجأ إليه. الفراش أصبح بركة، والغطاء لم يعد غطاءً بل قطعة قماش ثقيلة ومبللة. حاولنا إشعال النار لنحصل على القليل من الدفء، لكن الخشب الذي كنا نعتمد عليه كان قد ابتل هو الآخر. جلسنا معًا نرتجف تحت مظلة الخيمة الممزقة، ننتظر الفجر الذي بدا وكأنه قرر أن يتأخر عن موعده.  

الأطفال كانوا يبكون من البرد والجوع، وأمي تبذل جهدها لتهدئتهم بكلماتها الحنونة التي لم تعد تقنعهم بعد أن أصبحت البطون خاوية. كنت أنظر إلى عينيها وأشعر بعجزها ووجعها الذي لم تنطقه الكلمات. المطر الذي كنا ننتظره كنعمة للأرض تحول إلى نقمة تُضاف إلى سلسلة النقم التي أصبحت حياتنا اليومية.

هذه الأمطار ليست مجرد حدث طبيعي في حياتنا، بل هي امتحان آخر من امتحانات البقاء. نحن نعلم أن هذه الليلة لن تكون الأخيرة، وأن الشتاء لن ينتهي قريبًا. لكننا، رغم كل شيء، نحاول أن نصمد. نحاول أن نجد في كل يوم سببًا صغيرًا يجعلنا نتمسك بالحياة. ربما هو ابتسامة طفل صغير وسط هذا البؤس، أو لحظة دفء تحت شمس غابت طويلًا.

في غزة، عندما تمطر، لا تنبت فقط الزهور، بل تزداد أيضًا المعاناة. ومع ذلك، يبقى الأمل في قلوبنا كالشمعة التي تصارع الرياح، وتصر على ألا تنطفئ.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟