حكاية صمود في وجه المستحيل

 

غزة ليست مجرد مدينة أو بقعة جغرافية على الخارطة؛ إنها رمز للصمود والكرامة في وجه العالم. كلما ذُكر اسمها، أشعر بتداخل مشاعر الفخر والحزن والدهشة. كيف لمدينة صغيرة، محاصرة من كل الجهات، أن تظل تقاوم بهذا الإصرار؟ كيف لمليونَي إنسان يعيشون في مساحة ضيقة، تحت القصف والدمار والفقر، أن يظلوا متمسكين بالحياة، بالأمل، وحتى بالضحك؟

أذكر أول مرة سمعت فيها عن غزة وأنا صغيرة. كنت أرى الصور على التلفاز؛ المباني المدمرة، الأطفال يلعبون وسط الركام، والنساء يمسكن بأطفالهن كأنهن يحملن العالم كله بين أيديهن. شعرت حينها أن غزة مكان مختلف، لا يشبه أي مكان آخر. إنها ليست مجرد مدينة تُحاصر بالجدران والأسلاك الشائكة، بل تحاصرها روايات العالم التي كثيرًا ما تكون ظالمة أو ناقصة.

ما يدهشني في غزة هو قدرة الناس هناك على الحياة رغم كل شيء. أصدقاء لي زاروا غزة وعادوا وهم يروون قصصًا عن صمود شعبها. يحدثونني عن الأسواق التي تعج بالحياة رغم الحصار، عن الأعراس التي تُقام وسط القصف، وعن الأطفال الذين يرسمون أحلامهم على الجدران المهدمة. هؤلاء الناس يعلّموننا درسًا عظيمًا: أن الحياة تستمر، حتى في أقسى الظروف.

لكن هناك أيضًا جانب آخر، جانب مؤلم وصعب. لا يمكنني أن أتجاهل أن غزة تعاني، وأن شعبها يعيش مأساة يومية لا يمكن للكلمات أن تصفها بالكامل. الكهرباء التي تأتي لساعات محدودة، المياه التي تعاني من التلوث، البيوت التي دُمرت ولم تُبْنَ من جديد، والأحلام التي تبدو مستحيلة. كل هذا يثقل القلب، ويجعلني أتساءل: ماذا يمكننا أن نفعل لأجلهم؟

غزة ليست مجرد مكان؛ إنها قصة إنسانية عميقة. هي الوجه الآخر للحياة، حيث تختلط المعاناة بالأمل، والموت بالحياة. أحيانًا أشعر أن غزة تذكّر العالم كله بقيمة الحرية، بقيمة الكرامة، وبقيمة الوقوف إلى جانب المظلومين. 

بالنسبة لي، غزة ليست فقط مدينة على الخريطة، بل هي حكاية عن الإصرار على الحياة في وجه المستحيل. حكاية تجعلني أفكر في معنى القوة الحقيقية، وفي واجبنا تجاه من يقفون في الخط الأمامي لنصرة الحق، حتى لو كان الثمن هو حياتهم.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟