غزة بعيون فتاة: حكايات الصمود والحلم تحت الحصار

 


حين أفتح عيني كل صباح في غزة، لا أحتاج إلى منبّه يوقظني. أصوات الطائرات وأزيزها في السماء كفيلة بأن تجعلني أبدأ يومي. هنا، في هذه المدينة الصغيرة المحاصرة، لا يشبه الصباح صباحات المدن الأخرى. الشمس تشرق، لكن ظلال الدمار تُلقي بثقلها على كل شيء. ومع ذلك، نعيش، نحاول، ونتمسك بالحياة.

أنا فتاة من غزة. عمري ليس كبيرًا، لكنه كافٍ ليحمل ذكريات عن حروب وصواريخ وانقطاع للكهرباء وأحاديث حول الشهداء. أحيانًا أشعر أنني عشت أعمارًا أكبر من سنواتي. كيف يمكن لطفلة، ثم مراهقة، أن تنضج وسط هذه الظروف؟ لكننا هنا لا نملك رفاهية التوقف أو الانهيار. الحياة تستمر، وهذا هو قانون غزة الأول.

أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي انهارت فيه البناية المجاورة لنا بفعل قصف مفاجئ. كان قلبي ينبض بسرعة جنونية، ويد أمي تمسك بيدي بقوة كأنها تحاول أن تنقل لي الأمان عبر أناملها. صرخات الجيران، رائحة البارود، والغبار الذي ملأ كل شيء... لم أنسَ أي تفصيل. لكن ما أدهشني حينها هو أنني رأيت طفلًا من الحي يلعب بكرة قديمة بعد دقائق فقط من انتهاء القصف. كان كأنه يعلن، بطريقة طفولية بسيطة، أن الحياة لا يمكن أن تتوقف هنا.

في غزة، نتعلم الصبر مبكرًا. الكهرباء تأتي لساعات قليلة، وغالبًا ما تنقطع عندما نكون في أمسّ الحاجة إليها. الدراسة على ضوء الشموع أصبحت جزءًا من يومياتنا. أحيانًا أجلس مع صديقاتي ونتحدث عن أحلامنا. أريد أن أكون طبيبة، لكني أتساءل: هل سأتمكن من السفر للدراسة؟ هل ستسمح لنا الحدود أن نحلم، أم أن أحلامنا ستظل محاصرة مثلنا؟

ورغم كل شيء، هناك لحظات صغيرة تمنحنا القوة. عندما نتجمع كأسرة واحدة حول وجبة بسيطة، أو حين نضحك على مزحة رغم الحزن الذي يحيط بنا، أو عندما أرى أمي تصنع الخبز بحب، كأنها تخبرنا أن الحياة لا تزال جميلة رغم كل شيء.

أعرف أن العالم يسمع عن غزة، لكنه لا يعرفنا حقًا. نحن لسنا أرقامًا على نشرات الأخبار، ولسنا صورًا لمبانٍ مدمرة فقط. نحن بشر نحلم ونحب ونخاف ونأمل. نحن أناس نرفض أن تُعرف غزة فقط كمدينة للحرب والدمار. إنها مدينتي، وأريد للعالم أن يراها كما أراها: مكانًا مليئًا بالقوة، بالحياة، وبالأمل الذي لا ينكسر.

في غزة، قد تبدو الحياة صعبة، لكنها في أعماقها درس عظيم. لقد تعلمت هنا كيف أكون قوية، وكيف أتمسك بالفرح حتى لو كان عابرًا. علمتني غزة أنني جزء من قصة أكبر، قصة كرامة وحرية وصمود. وأنا فخورة بأنني فتاة من غزة، مهما كانت التحديات.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟