غزة التي كانت أفضل مدينة في العالم: كيف صارت الآن؟


غزة، تلك البقعة الصغيرة على ساحل البحر المتوسط، كانت يومًا ما جوهرة المنطقة. في الماضي، كانت مدينة تنبض بالحياة، شاهدة على حضارات تعاقبت وتركت بصمتها على شواطئها وأسواقها. هنا، كانت البيوت تتباهى ببساطتها وأناقتها، وكانت الشوارع تمتلئ بالضحك والموسيقى، بالباعة المتجولين، وبأطفال يلعبون بحرية لا تحدّها أسلاك شائكة أو حصار.  

غزة التي أعرفها من قصص أجدادي لم تكن محاصرة كما هي اليوم. كانوا يتحدثون عن أيام كانت فيها الأسواق مزدهرة بالبضائع، وعن صيادين يخرجون صباحًا يعودون محملين بخيرات البحر. يتحدثون عن شواطئ كانت مقصدًا للزوار من كل مكان، وعن مدينة تحمل عبق التاريخ وروح الحياة.  

لكن غزة الآن ليست تلك المدينة. جدرانها تحكي قصة أخرى، قصة حصار استمر لعقود، وحروب متكررة مزقت أحشاءها، وجعلت أطفالها يكبرون قبل أوانهم. كيف وصلت غزة إلى ما هي عليه اليوم؟ الإجابة ليست بسيطة، لكنها تختصر في سلسلة طويلة من الظلم والعزلة التي فرضت عليها قسرًا.  

الحصار المستمر منذ سنوات حوّل حياة سكانها إلى صراع يومي من أجل البقاء. الكهرباء أصبحت ضيفًا نادرًا، المياه غير صالحة للشرب في معظمها، وفرص العمل شحيحة إلى حد الاختناق. أضف إلى ذلك الحروب التي تركت جروحًا غائرة في النفوس قبل الجدران. كيف يمكن لمدينة أن تزدهر تحت هذا الكم من الضغط؟  

لكن رغم كل ذلك، ترفض غزة أن تموت. أهلها لا يزالون يحملون بداخلهم روح تلك المدينة التي كانت في الماضي أفضل مكان في العالم. ترى ذلك في أعين الأطفال الذين يضحكون رغم كل شيء، في صمود المزارعين الذين يزرعون أراضيهم رغم قلة الموارد، وفي نساء يجعلن من بيوتهن المهشمة مملكة صغيرة للحياة.  

غزة التي كانت الأفضل، قد لا تكون كما كانت، لكنها لم تفقد هويتها بالكامل. لا تزال تحمل في شوارعها الضيقة وأسواقها البسيطة وفي أصوات أمواج بحرها قصة مدينة لم تهزمها كل الظروف.  

قد تكون غزة اليوم محاصرة ومتعبة، لكن تاريخها وشعبها يقولان إنها لم تفقد الأمل. ربما ليست الآن أفضل مدينة في العالم كما كانت، لكن أهلها يثبتون يومًا بعد يوم أنهم قادرون على جعلها أفضل مكان في قلوبهم، مهما كانت التحديات.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟