الأمطار في غزة: فرحة ممزوجة بالمعاناة
حين تبدأ السماء في غزة بالبكاء، تتغير أجواء المدينة كليًا. تلك القطرات الأولى التي تضرب النوافذ تملأني بمشاعر مختلطة. في البداية، أشعر بالفرح، كما لو أن المطر يحمل معه وعدًا بأن شيئًا جديدًا سيبدأ، لكن سرعان ما يتسلل القلق إلى قلبي.
في غزة، المطر ليس فقط مشهدًا رومانسيًا أو فرصة لارتداء المعاطف الشتوية والخروج للاستمتاع بنسيم الشتاء. هنا، المطر يعني الشوارع المغمورة بالمياه، البيوت التي تخشى الأسطح المتشققة أن تخون أصحابها، والأطفال الذين يرتجفون من البرد في منازلهم التي لا توفر دفئًا كافيًا.
أتذكر المرات التي كنا نجلس فيها مع العائلة أثناء المطر. أمي كانت تحاول جاهدة أن تُطمئننا، لكن عيناها تكشفان قلقًا من أن تفيض المياه إلى داخل بيتنا. كنا نضع المناشف أسفل الأبواب ونستعد لمواجهة أي تسرب. أما أبي، فكان يخرج في الليل ليتأكد أن السطح ما زال صامدًا أمام أمطار الشتاء.
ورغم ذلك، هناك شيء سحري في أمطار غزة. عندما تتوقف لحظة عن التفكير في الصعوبات، تشعر أن هذه الأمطار تغسل القلوب والذكريات المتعبة. أتذكر كيف كنا أنا وأصدقائي نسير تحت المطر بلا مظلات، نضحك ونحن نحاول القفز فوق البرك المائية، رغم أننا نعلم جيدًا أن أحذيتنا ستغرق في النهاية.
لكن المطر في غزة يحمل أيضًا رمزية عميقة. هو أشبه بهدية من الطبيعة، ربما لتذكيرنا بأن هناك جمالًا وسط كل الفوضى. لكنه أيضًا امتحان جديد، يضاف إلى قائمة التحديات التي تواجهنا. فمع كل شتاء، تزداد المخاوف من سوء البنية التحتية، ومن الفيضانات التي قد تجرف معها القليل مما تبقى من استقرار حياتنا اليومية.
ومع ذلك، لا شيء يضاهي صوت المطر وهو يطرق على الأسطح المعدنية ليلاً. في تلك اللحظات، أتمنى أن يكون المطر رسالة سلام من السماء، تهدهد أرواحنا المتعبة وتعيد إلينا الأمل. في غزة، حتى الأمطار الباردة تحمل دفئًا خاصًا، دفئًا يأتي من قلوب الناس الذين يصرون على الاستمرار، رغم كل شيء.
المطر في غزة ليس مجرد فصل من فصول العام. إنه تجربة إنسانية تُظهر لنا ضعفنا أمام الطبيعة، لكنها في الوقت نفسه تذكرنا بقوتنا وقدرتنا على إيجاد الجمال حتى في أصعب الظروف.
Comments
Post a Comment