صوت الحرب يسرق حياتي

اسمي رنيم، فتاة من غزة. عمري 26 عامًا، لكنني أشعر أنني أكبر بكثير. في غزة، نكبر سريعًا، ليس لأننا نريد ذلك، ولكن لأن الحياة هنا تجبرنا على مواجهة ما يفوق أعمارنا.  

حين أسمع صوت الطائرات تحلق في السماء، يتوقف الزمن. أتساءل في كل مرة: هل سيصيبنا القصف هذه المرة؟ هل ستنهار الجدران التي تحمينا؟ هذا الخوف لا يفارقني، حتى عندما أُجبر نفسي على النوم.  

أتذكر ليلة لا تغيب عن بالي. كنت أجلس مع عائلتي في غرفة واحدة، كما نفعل دائمًا عندما تبدأ الحرب. أبي كان يحاول طمأنتنا، لكن صوته كان يرتجف. أمي تمسك بمسبحتها وتتمتم بالدعاء، بينما أنا وأشقائي نحاول أن نخفي خوفنا خلف أحاديث صغيرة عن أي شيء، أي شيء يبعد عقولنا عن فكرة الموت القريبة.  

في غزة، الحرب ليست فقط أصوات قصف أو طائرات في السماء. إنها فقدان للأمان في كل لحظة. بيت صديقتي هبة دُمر قبل عامين. أتذكر كيف كانت تبكي وهي تخبرني عن ألعابها التي دفنت تحت الركام، وكيف أصبح حلمها الوحيد هو الحصول على سقف جديد يؤويهم.  

كل شيء في حياتي تغيّر بسبب الحرب. مدرستي التي كنت أحب الذهاب إليها أصبحت مأوى للنازحين، شوارع الحي التي كنا نلعب فيها باتت مليئة بالحفر وبقايا الدمار. حتى أصدقائي تغيروا؛ بعضهم فقد أفرادًا من عائلته، وآخرون غادروا غزة ولم يعودوا.  

أكثر ما يؤلمني هو الشعور بالعجز. أريد أن أعيش حياة طبيعية، أن أستيقظ صباحًا دون أن أفكر إذا كان هذا اليوم سيكون الأخير. أريد أن أذهب إلى المدرسة دون أن أسمع عن شهيد جديد أو منزل دُمر. أريد أن أحلم، مثل أي فتاة في عمري، بحياة مليئة بالفرح والطموحات، لكن الحرب تسرق كل شيء، حتى الأحلام.  

أنا لست سياسية ولا أفهم الكثير عن العالم. كل ما أعرفه أنني أعيش في مكان يبدو وكأنه منسي، مكان لا يسمع فيه العالم أصواتنا. نحن أطفال غزة لا نريد سوى السلام، سوى فرصة للعيش دون خوف.  

لكن رغم كل شيء، أتمسك بالأمل. عندما أرى أمي تبتسم رغم كل ما مررنا به، عندما أسمع أبي يقول إن هذه الحرب لن تكسرنا، أشعر أنني قادرة على الاستمرار. ربما لا أستطيع تغيير العالم، لكنني أؤمن أنني سأكبر يومًا، وسأخبر الجميع عن غزة، عن معاناتنا وصمودنا، وعن طفولتي التي سرقتها الحرب ولكن لم تستطع أن تسرق قلبي.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟