دفء غائب: كيف يواجه أهالي غزة البرد القارس؟
في غزة، حيث لا تزال آثار الحصار تفرض واقعًا مريرًا، يأتي فصل الشتاء كضيف ثقيل، يزيد من معاناة أهلها ويكشف قسوة الحياة اليومية. البرد في غزة ليس مجرد طقس، بل تجربة مؤلمة تُضاف إلى سلسلة طويلة من التحديات التي يواجهها سكان المدينة المحاصرة.
مع أولى نسمات الشتاء الباردة، تبدأ معاناة العائلات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الدفء. معظم البيوت في غزة تفتقر إلى العزل المناسب، والنوافذ القديمة تترك مجالًا للرياح الباردة للتسلل. المدافئ الكهربائية أصبحت حلمًا بعيد المنال بسبب انقطاع الكهرباء المستمر، الذي يمتد لساعات طويلة يوميًا، مما يجعل الاعتماد على الوسائل البدائية كالحرائق الصغيرة داخل المنازل خيارًا محفوفًا بالمخاطر.
الأطفال، بملابسهم الخفيفة التي بالكاد تحميهم، يعانون أكثر من غيرهم. مدارسهم الباردة، التي تفتقر إلى التدفئة، تتحول إلى أماكن يصعب فيها التركيز أو التعلم. ومع ذلك، تجدهم يذهبون بشجاعة، متحدّين الظروف، حاملين حقائبهم الثقيلة وكأنها تعبّر عن حمل الواقع الذي يعيشونه.
أما العائلات التي فقدت منازلها في الحروب المتكررة، فهي تعيش وضعًا أكثر قسوة في خيام أو بيوت مؤقتة لا تحمي من البرد ولا توفر الأمان. هذه الخيام تُصبح في الشتاء مساحات مبللة بالمطر ومُغلّفة بالرطوبة، حيث يصعب الحفاظ على صحة الأطفال وكبار السن.
وفي الوقت الذي يلجأ فيه كثيرون حول العالم إلى وسائل التدفئة الحديثة والمريحة، يعتمد أهالي غزة على الحطب أو الفحم إن توفر، وهو ما يزيد من احتمالية حدوث اختناقات وأضرار صحية. البرد في غزة ليس مجرد شعور، بل معركة يومية للبقاء على قيد الحياة.
ورغم كل هذا الألم، تظل غزة تُلهم العالم بصمود أهلها وإصرارهم على الحياة. تحتضن المدينة أناسًا يحاولون بناء غد أفضل لأطفالهم، رغم كل العواصف. فالدفء الحقيقي هنا لا ينبع من مدفأة أو بطانية، بل من تضامن الناس مع بعضهم وإيمانهم بأن الفجر لا بد أن يأتي.
Comments
Post a Comment