المجاعة في غزة: وجوه الجوع في زمن الحصار

عندما تسمع كلمة "مجاعة"، قد يتبادر إلى ذهنك صورًا من كتب التاريخ أو دول بعيدة تعاني من الكوارث الطبيعية. لكن في غزة، المجاعة هي واقع يومي يعيشه أكثر من مليوني إنسان، ليس بسبب الطبيعة، بل بسبب الحصار والحرب والدمار المتكرر. هذه المأساة ليست مجرد أرقام أو عناوين في الأخبار؛ إنها قصص حقيقية لناس يحاولون البقاء على قيد الحياة بأقل القليل.  

غزة تعاني من حصار خانق منذ أكثر من 17 عامًا، أثّر على كل جوانب الحياة. الإمدادات الغذائية نادرة، والأسعار مرتفعة بشكل لا يمكن تحمله لمعظم السكان. الإحصائيات تقول إن 70% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الغذائية. لكن حتى هذه المساعدات لم تعد تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يجعل فكرة الطعام حلمًا بعيد المنال للكثير من العائلات.  

أكثر ما يدمي القلب هو مشهد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. تقارير المنظمات الدولية تشير إلى ارتفاع معدلات نقص النمو والهزال بين أطفال غزة. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد ضحايا للجوع، بل يفقدون فرصهم في التعليم والصحة والحياة الكريمة. كيف يمكن لطفل أن يحلم بمستقبل مشرق وهو لا يعرف إن كان سيحصل على وجبته القادمة؟  

النساء في غزة يحملن عبئًا مزدوجًا. هنّ أمهات يحاولن توفير الطعام لأطفالهن بأي وسيلة، وفي الوقت نفسه يواجهن ظروفًا اقتصادية واجتماعية قاسية. بعضهن يلجأن إلى العمل في ظروف شاقة أو حتى بيع ممتلكاتهن لتأمين الحد الأدنى من الغذاء.  

رغم كل هذا الألم، فإن أهل غزة لا يزالون يقدمون دروسًا في الصمود. مشاهد البسطاء الذين يتقاسمون لقمة العيش، وابتسامات الأطفال الذين يلعبون رغم كل شيء، تحكي عن قوة الروح الإنسانية التي لا تنكسر بسهولة.  

كمتابعين لهذه الكارثة، لا يمكننا أن نغض الطرف عن معاناة غزة. دعم المؤسسات الإنسانية، رفع الوعي الدولي، والمطالبة بإنهاء الحصار هي خطوات يمكن لكل فرد منا أن يسهم بها. الجوع في غزة ليس قدَرًا، بل نتيجة لسياسات يمكن تغييرها إذا توفرت الإرادة.  

المجاعة في غزة ليست مجرد أزمة محلية؛ إنها جرح في ضمير الإنسانية. كل لقمة طعام تُرسل إلى غزة وكل صوت يطالب بإنهاء معاناتهم هو خطوة نحو إنقاذ أرواح وإعادة الأمل لملايين الناس. غزة تستحق أن تعيش، ليس فقط كرمز للصمود، بل كمدينة تستعيد إنسانيتها وكرامتها.  

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟