الأمطار في غزة: حين تتحول نعمة السماء إلى معاناة الأرض

 


كلما أُعلن عن أمطار قادمة إلى غزة، يتداخل في نفوس أهلها شعوران متناقضان؛ الفرح بقدوم الغيث الذي يروي الأرض وينعش الحياة، والخوف مما تحمله تلك الأمطار من معاناة، خاصة لأولئك الذين يسكنون الخيام والمنازل الهشة.


غزة، تلك المدينة الصغيرة التي ترزح تحت وطأة الحصار والفقر، تستقبل الشتاء بأيدٍ خالية من التجهيزات. الأمطار التي تُعد رمزًا للخير والخصب تتحول هنا إلى شبح يُغرق القلوب قبل الأرض. مشهد الأطفال الذين يركضون تحت المطر لا يبدو هنا بريئًا كما هو في أماكن أخرى، بل هو محاولة للهروب من الخيام التي أصبحت مغمورة بالمياه أو منازل أصبحت أشبه ببرك صغيرة.


في المخيمات المنتشرة على أطراف القطاع، تعيش العائلات في خيام بالكاد تقيهم حر الصيف، فما بالك بشتاء قاسٍ؟ في لحظة واحدة، تنهمر السماء لتغرق الأرض وتبتلع الأغطية والفرش البسيطة. يصبح النوم حلمًا بعيدًا، والدفء ترفًا غير متاح.


بينما ينهمر المطر على غزة، تعمل العائلات بجهد متواصل لتصريف المياه التي تغزو مساكنهم، مستخدمين أدوات بدائية، وكأنهم في معركة يومية ضد الطبيعة. وعلى الجانب الآخر، يقف الأطفال في حيرة؛ هل يفرحون بالمطر أم يحزنون على ما يُحدثه من خراب؟


في هذه اللحظات، تتجلى قوة التكافل في المجتمع الغزي. تجد الجيران يتعاونون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، متطوعين يوزعون البطانيات والطعام، وأصوات الدعاء ترتفع لعل السماء تحمل الرحمة بدل المعاناة.


ورغم هذا الألم المتكرر كل شتاء، تبقى غزة صامدة، تلتقط أنفاسها بعد كل عاصفة، وتستمر في الحياة بشجاعة تُذهل العالم. لكن يبقى السؤال: إلى متى ستظل أمطار غزة تغرقها في دائرة المعاناة؟

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟