بعد سقوط بشار الأسد.. سوريا في خطر الإرهاب الطائفي
تعتبر سوريا من أكثر الدول التي تأثرت بالأزمات السياسية والصراعات الطائفية التي دمرت بنيتها الاجتماعية والاقتصادية على مدار سنوات الحرب. ورغم أن الحرب السورية كانت قد بدأت كحركة احتجاجية تطالب بالتحول الديمقراطي، فإنها سرعان ما تحولت إلى صراع طائفي، حيث اتخذت أطراف النزاع أبعادًا دينية وقومية، ما جعل كل طرف يراهن على تعزيز نفوذه عبر الاستقواء بداعمين إقليميين ودوليين.
ولكن مع بداية الحديث عن "ما بعد بشار الأسد" والتوجهات المستقبلية لسوريا، يتصاعد القلق من أن يكون الفراغ السياسي الذي قد ينشأ نتيجة سقوط النظام، مدخلًا لظهور نوع جديد من الإرهاب الطائفي، الذي قد يهدد بتدمير ما تبقى من المجتمع السوري. في هذا السياق، يمكن النظر إلى التجربة الفلسطينية في غزة، خصوصًا تحت حكم حركة حماس، كدليل على المخاطر التي قد تواجه سوريا في المستقبل القريب.
حماس في غزة: حكم ديني متسلط
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 2007، تحولت المنطقة إلى نموذج لحكم ديني يتسم بالديكتاتورية تحت ستار الإسلام. إذ، ورغم أن حماس جاءت إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، إلا أنها سرعان ما فرضت نهجًا سلطويًا وممارسات قمعية لا تختلف عن الأنظمة الديكتاتورية، مبررة ذلك بضرورة حماية "المقاومة" ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي. الحريات السياسية تم تقييدها بشكل كبير، والمعارضة تم قمعها بشدة، وأصبحت كل الإجراءات السياسية تتم وفقًا للأيديولوجية الإسلامية التي تروج لها الحركة.
إن تجربة حماس في غزة قد تكون مؤشرًا لما قد يحدث في سوريا في حالة حدوث انهيار مفاجئ للنظام، خصوصًا في حال سيطرة جماعات إسلامية متطرفة على الأرض. فالنزاع الطائفي الذي ساد في سوريا قد يؤدي إلى بروز جماعات سلفية أو إسلامية تتبنى أفكارًا متشددة، ساعيةً للهيمنة على المناطق التي تسيطر عليها عبر فرض قوانين دينية صارمة. وفي ظل غياب أي رؤية أو قيادة سياسية موحدة، قد تنزلق سوريا إلى حالة من التفكك الداخلي والصراعات المستمرة بين هذه الجماعات، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا.
سوريا والإرهاب الطائفي
الواقع السوري اليوم يعكس مشهدًا معقدًا من الانقسامات الطائفية والعرقية، حيث لا يمكن النظر إلى مكونات المجتمع السوري على أنها موحدة كما كانت قبل الحرب. فقد خلّف النزاع بين الأطراف المختلفة آثارًا عميقة في النفوس، ما يجعل التعايش بين هذه الطوائف صعبًا في المستقبل. من هنا، فإن سقوط بشار الأسد قد يفتح الباب أمام ظهور جماعات طائفية متشددة تسعى للاستفادة من الفراغ السياسي وتعزيز نفوذها، ما قد يعمق الانقسام ويزيد من خطر الإرهاب الطائفي.
في ظل هذا المشهد، هناك خطر حقيقي من أن يتحول الصراع في سوريا إلى حرب استنزاف طائفية، شبيهة بما شهدته مناطق أخرى من العالم العربي، مثل العراق، حيث سيطرت الجماعات المسلحة على الأرض تحت شعار الدفاع عن الطائفة، وأدت إلى موجات من العنف الطائفي.
أهمية التوصل إلى تسوية سياسية
إن الحل الوحيد لتجنب هذا المستقبل المظلم هو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ترضي جميع الأطراف وتحفظ وحدة سوريا. يجب أن تتضمن هذه التسوية إعادة بناء الدولة على أسس من العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها، دون التفريق بين طائفة وأخرى. كما يتطلب ذلك ضمانات دولية للحفاظ على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بالإضافة إلى تحجيم دور الجماعات المسلحة والتطرف في الحياة السياسية السورية.
وبدون هذه التسوية، فإن سوريا قد تصبح ساحة لتمدد الجماعات المتطرفة التي لا تتردد في استخدام الدين كغطاء لتحقيق مصالح سياسية ضيقة. مع هذا، يجب أن يبقى أمل السوريين في استعادة بلدهم مبنيًا على مبادئ السلام والعدالة، بعيدًا عن الاستقطاب الطائفي الذي قد يضعها على شفا الهاوية.
إن ما حدث في غزة تحت حكم حماس يسلط الضوء على المخاطر التي قد تواجه سوريا في المستقبل، خصوصًا إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية ترسخ دولة موحدة خالية من التطرف والإرهاب الطائفي. إن تطورات ما بعد بشار الأسد قد تكون فرصة لبناء سوريا جديدة، لكن هذه الفرصة قد تضيع إذا لم يتم تدارك الوضع والعمل على بناء مجتمع يقوم على التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع الأطياف.
Comments
Post a Comment