غزة: حين يكتب القلب



لا أعرف كيف أبدأ الحديث عن غزة. فهي ليست مجرد مدينة على الخريطة، ولا مجرد مساحة تعجّ بالسكان أو تُحيطها الحدود. غزة بالنسبة لي هي قصة بقاء، هي كفاح الإنسان عندما تصبح الحياة نفسها معركة.


عندما أفكر في غزة، أرى شوارعها التي قد لا تكون أوسع الشوارع، ولكنها تمتلئ بروح سكانها. أرى أطفالًا يلعبون في الأزقة، يطاردون الفرح رغم كل شيء. أرى وجوهًا متعبة لكنها قوية، تحمل في قسماتها تاريخًا من الصمود.


زرت غزة مرة واحدة في حياتي، ولا أستطيع أن أنسى شعور الغصة والدهشة معًا. كيف لمدينة صغيرة أن تحمل كل هذا الثقل؟ كيف لشعبها أن يظل واقفًا رغم الحصار، ورغم الحروب التي لا تكاد تتوقف؟


أتذكر حديثي مع أحد الشباب هناك. كان يجلس على كرسي بلاستيكي أمام متجر صغير، يبيع القهوة والحلوى. سألته عن أحلامه، فقال بابتسامة مدهشة: “أحلامنا بسيطة يا أخي. نريد فقط أن نعيش بسلام، أن نرى أطفالنا يكبرون بلا خوف، وأن نستيقظ يومًا بلا صوت قصف.”


أدهشتني تلك الإجابة. كان يمكن أن يطلب أي شيء؛ حياة مرفهة، سفرًا إلى الخارج، فرصًا أكبر. لكنه اختار السلام، وهو أبسط حقوق البشر، لكنه أغلى ما يمكن لغزة أن تحلم به.


غزة ليست مجرد مدينة محاصرة. غزة هي رمز لكل من قاوم الألم واستمر في الحلم. هي قصيدة كتبت بدماء من رحلوا، وبأحلام من بقوا.


عندما تفكر في غزة، لا تفكر فقط في الأخبار والصور التي ترسمها كمنطقة حرب. فكر في الأرواح التي تنبض داخلها، في الأمهات اللواتي يُجدن صناعة الحياة من رماد الحروب، في الأطفال الذين يلعبون رغم الأنقاض، وفي الأمل الذي يظل يضيء رغم كل الظلام.


غزة ليست مكانًا عاديًا. هي معجزة تستمر في الحدوث، رغم كل شيء.


Comments

Popular posts from this blog

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟

وجهة نظر فتاة من غزة حول أحداث لبنان وتأثيرها على غزة

حماس: "الحكم" الذي جرّ غزة إلى الحرب