غزة… حيث نصنع من الألم حياةً

أنا ابنة غزة، ابنة الأرض التي تعرف معنى الصمود أكثر مما تعرف معنى الراحة. هنا حيث أعيش، لا شيء يبدو عاديًا. كل شيء في غزة يحمل روح التحدي، حتى البحر يبدو وكأنه يقاوم معنا، يحمل أمواجًا متعبة لكنه لا يتوقف عن العطاء.


عندما أفتح عيني صباحًا، أرى مدينتي بكل تناقضاتها. الشوارع التي حفظت خطواتنا، البيوت التي تكافح لتبقى صامدة رغم كل ما مرّ عليها، والأطفال الذين يركضون ضاحكين وسط غبار الحصار وكأنهم يحاولون أن يقهروا الحزن بضحكاتهم.


غزة ليست مكانًا سهلًا للعيش، لكنها بالنسبة لي ليست خيارًا أيضًا. هي بيتي، وبيتي يحمل في كل زاوية منه ذكرى. أتذكر صوت أمي وهي تغني لنا لتهون علينا وقع الأخبار، وأبي وهو يخرج للعمل رغم كل المخاطر. أتذكر جدي الذي كان يقول لنا دائمًا إن غزة مثل الزيتون، قد تُكسر أغصانها، لكنها أبدًا لا تموت.


الحياة هنا ليست كالحياة في أي مكان آخر. الكهرباء تأتي ساعات قليلة في اليوم، والماء بالكاد يكفي، لكننا تعلمنا كيف نعيش رغم كل شيء. في الليل، عندما تنطفئ الأنوار، نتجمع حول الشموع، نتحدث، نضحك، وننسج أحلامًا أكبر من هذا الحصار.


أحيانًا أتساءل: كيف ننجو؟ كيف لا نفقد الأمل؟ لكنني أدرك أن غزة تعلمنا أن القوة ليست خيارًا بل ضرورة. نحن لا نختار أن نكون أقوياء، بل الحياة هنا تُجبرنا على ذلك.


لكن خلف هذا الصمود، هناك وجع. وجع نعرفه جيدًا، لكنه لا يكسرنا. نحن هنا نحمل الحزن كجزء منا، لكننا نرفض أن نعيش أسرى له. نحلم، نضحك، نبني، ونحاول أن نصنع حياةً تستحق العيش رغم كل شيء.


غزة ليست مجرد مدينة بالنسبة لي، هي أمي، هي أختي، هي أنا. هي المكان الذي علمني كيف أحب، وكيف أقاوم، وكيف أؤمن بأن غدًا أفضل سيأتي.


عندما أسمع البحر ليلاً، أشعر وكأنه يهمس لي: “كوني قوية، فأنتِ من غزة”. وعندما أرى الأطفال يلعبون وسط الركام، أفهم أن الحياة لا تقاس بما نملك، بل بما نصنعه مما نملك.


غزة قد تبدو صغيرة على الخارطة، لكنها في قلبي أكبر من أي شيء. هنا نحن نصنع من الألم حياةً، ومن الحصار أملًا، ومن الدمار حكايات عن صمودٍ سيذكره العالم يومًا ما.


أنا ابنة غزة، وأفتخر بذلك. لأنني أعلم أنني جزء من قصة أكبر، قصة كتبتها أرواح لا تنكسر، وأيدٍ تبني رغم كل الجراح.


Comments

Popular posts from this blog

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟

وجهة نظر فتاة من غزة حول أحداث لبنان وتأثيرها على غزة

حماس: "الحكم" الذي جرّ غزة إلى الحرب