أنا غزاوية، وأنتظر الهدنة…
في كل مرة يُقال فيها إن الهدنة قد تكون قريبة، أشعر بمزيج من الأمل والخوف. أنا فتاة من غزة، أعيش في هذه المدينة التي تعيش بين الحياة والموت، بين الحصار والحلم. أسير في شوارعها التي تحكي قصصاً من الألم والصمود، أستمع إلى أصوات الناس من حولي، وأتساءل: هل ستأتي الهدنة هذه المرة فعلاً؟
أيامنا ليست عادية هنا. أصوات الطائرات فوق رؤوسنا صارت مألوفة، والقصف أصبح جزءاً من ذاكرتنا اليومية. لكن في داخلي، كما في داخل كل شخص في غزة، هناك شعلة صغيرة تأبى أن تنطفئ. نريد أن نعيش بسلام. نريد أن نعيش كبقية البشر، نحب ونحلم ونضحك من دون خوف.
اليوم، أجلس في غرفتي الصغيرة وأتابع الأخبار. الهاتف في يدي، أتنقل بين التطبيقات والصفحات، أبحث عن خبرٍ يؤكد أن المعاناة ستتوقف ولو قليلاً. كل مرة يظهر فيها اسم “الهدنة”، أقفز لأقرأ. أخاف أن يكون مجرد وهم آخر، لكنني لا أملك إلا أن أتعلق بهذا الخيط الرفيع من الأمل.
أتخيل كيف سيكون أول يوم بعد الهدنة. ربما سأخرج إلى البحر، سأقف على الشاطئ وأترك قدمي تغوص في الرمال الباردة. سأتنفس بعمق، كأنني أستعيد حقاً مسلوباً منذ سنوات. أو ربما سأذهب إلى السوق مع أمي، سنشتري الفاكهة التي لم نرها منذ مدة، وسأضحك معها كأننا لم نعرف الحزن قط.
لكنني أخاف أيضاً. ماذا لو كانت هدنة مؤقتة؟ ماذا لو عدنا إلى هذا الكابوس سريعاً؟ ماذا لو لم يتغير شيء؟
في غزة، نعيش بين “ماذا لو” و”ربما”. نحن شعب ننتظر، لكننا في انتظارنا نعيش ونقاوم. أنتمي إلى جيل لم يعرف الحياة إلا تحت القصف، ومع ذلك، أحمل في داخلي إرادة للحياة أكبر من الخوف.
أريد أن أخبر العالم أننا هنا، لسنا مجرد أرقام أو عناوين في الأخبار. نحن بشر نحلم بأشياء بسيطة: بيت آمن، مستقبل أفضل، وسماء صافية لا تخترقها الطائرات.
بينما أكتب هذه الكلمات، أتمنى أن يأتي الخبر المنتظر قريباً. ليس فقط هدنة تنهي أصوات القصف، بل بداية لسلام حقيقي. سلام يمنحنا فرصة لنعيش كأي فتاة في أي مكان آخر في العالم. أريد أن أكون تلك الفتاة التي تحلم بغد أجمل، لا تلك التي تخاف أن يكون اليوم هو الأخير.
أنا غزاوية، أنتظر الهدنة، لكنني أؤمن أن غزة ستبقى أكبر من كل هذا الألم.
Comments
Post a Comment