ليلة أخرى تحت العاصفة: حكاية فتاة من غزة
لم أكن أظن أن الريح ستغضب هكذا. طوال النهار، كانت السماء ملبدة بالغيوم، والهواء يصفّر بين الخيام، لكنني اعتقدت أن خيمتنا، التي التصقت بها منذ شهور، ستحمينا كما تفعل دائمًا. غير أن الليل حمل لنا عاصفة لم تبقِ لنا شيئًا.
كنا جالسين، أنا وأمي وأخي الصغير، نحاول أن ندفئ أنفسنا ببعض الأغطية التي لم تعد تكفي، عندما بدأت الرياح تعصف بجنون. اهتزت جدران الخيمة المهترئة، ثم شعرت فجأة بسقفها يقتلع، واندفعت الريح إلى داخلها كوحش هائج. لم أستطع الصراخ، فقد كان الخوف يخنقني، ولم أستوعب سوى أننا صرنا مكشوفين تحت السماء، تحت المطر الذي بدأ يهطل بلا رحمة.
أخي الصغير كان يبكي، وأمي تحاول أن تغطيه بجسدها، لكن لا شيء كان يحمينا. حملنا ما استطعنا من الأغطية المبللة وهرعنا إلى خيمة الجيران، التي لم تكن بأفضل حال. كان الجميع هناك، وجوههم شاحبة من البرد، وعيونهم تبحث عن شيء من الأمان المفقود.
جلست هناك، أضم ركبتيّ إلى صدري، وأشعر بجسدي يرتجف من البرد والخوف. لم يكن لدي مكان أنام فيه، ولم يكن لدي حتى مساحة للحزن على خيمتنا التي صارت جزءًا من ذكريات الريح.
في الصباح، عندما خرجت، رأيت بقايا الخيام ممزقة متناثرة في الوحل، وأطفالًا يبحثون عن أشيائهم الضائعة بين الطين. لم يكن هناك شيء جديد في معاناتنا، لكنني شعرت بأننا أصبحنا أخف وزنًا، كأن الريح لم تأخذ منا خيامنا فقط، بل أخذت جزءًا آخر من قوتنا التي بالكاد تبقت.
لا أعرف كيف سيكون يومي القادم، ولا أين سأنام الليلة، لكنني أعلم أنني سأظل أقف، كما فعلت دائمًا، لأنني ابنة غزة، ولأننا رغم كل شيء… لا نسقط.
Comments
Post a Comment