رمضان في غزة: جوعٌ وألم بدلًا من الموائد والفرح

 لم يكن رمضان هذا العام كما اعتدناه في غزة. لا ضحكات الأطفال عند سماع أذان المغرب، ولا طاولات ممتلئة بأطباق كنا نحسبها يومًا بسيطة. لا حديث عن أصناف الطعام أو تحضيرات العيد، فقط حديث عن الجوع، عن من مات من الجوع، ومن ينتظر دوره.


أنا فتاة من غزة، اعتدت في رمضان أن أساعد أمي في إعداد السفرة، نجهز الفطور وسط ضحكات إخوتي الصغار، ونفرح حين نجتمع كعائلة حول المائدة المتواضعة. لكن هذا العام، لم تعد هناك مائدة، ولا طعام كافٍ، ولا حتى مياه نظيفة.


أذكر ذلك اليوم الذي استيقظت فيه على صوت بكاء جارتي، لم يكن صوت القصف هذه المرة، بل صوت أمٍّ تبكي أطفالها الذين لم يجدوا ما يسد رمقهم. اقتربت منها، وأنا نفسي بالكاد أتحمل الجوع الذي ينهشني، ولم أملك سوى بعض التمرات أعطيتها لها. كنت أرى في عينيها نظرة يأس لم أرها من قبل.


في المساء، كنا ننتظر أذان المغرب، ليس لأننا صائمون بإرادتنا، بل لأن الجوع أضعف أجسادنا حتى بات كل ما نملك هو الصبر. لا كهرباء، لا ماء، لا طعام. كنت أحلم بلقمة خبز، مجرد لقمة تسكت هذا الألم الذي أصبح جزءًا من يومي.


كان والدي يخرج كل صباح ليبحث عن أي شيء نقتات عليه، يعود أحيانًا بشيء، وغالبًا بلا شيء. رأيته ذات يوم يجلس في الزاوية، يداه على وجهه، لا يتحدث. لم أره بهذا الانكسار من قبل. والدي، الذي كان دائمًا صامدًا أمام كل الحروب، كسره جوع أبنائه.


المساعدات؟ نسمع عنها في الأخبار، لكن لا تصل. نسمع عن العالم الذي يطالب بوقف المجاعة، لكن الجوع يزداد، وأعداد من يموتون بسببه تزداد. لم أكن أتصور يومًا أن أعيش لأرى أهل غزة يموتون ليس من القصف، بل من الجوع.


حتى في أحلامي لم يعد هناك طعام. كنت أحلم بأمي تطبخ لنا، فأستيقظ على صوت معدتي الفارغة. كنت أتخيل مائدة رمضان، فأجد نفسي أبحث عن شيء أقتات عليه في زاوية المنزل. رمضان هذا العام كان قاسيًا، أقسى مما تتحمله قلوبنا الصغيرة، وأشد ألمًا من أي حرب مررنا بها.


لكن رغم كل هذا، لا يزال لدينا أمل. أمل أن يأتي يوم نفطر فيه بكرامة، أن نكسر صيامنا على طعام لا على دموع. أن نجتمع مرة أخرى حول مائدة فيها ما يكفي لنا جميعًا، لا أن نتقاسم كسرة خبز واحدة وننظر لبعضنا البعض في صمت.


غزة صامدة، لكن الجوع أقسى من القنابل.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟