جمعة بلا رائحة خبز.. من ذاكرة غزة

 

اسمي رنيم، عمري 27 عامًا، أعيش في غزة. أو ما تبقّى منها.


الجمعة كانت يومًا مقدّسًا في بيتنا. كانت أمي تستيقظ باكرًا، تعجن العجين، وتشعل الفرن الطيني. رائحة الخبز الساخن كانت توقظنا من النوم. أبي يعود من صلاة الجمعة ومعه كيس من التمر أو الفاكهة. كنا نجلس جميعًا حول مائدة مليئة بالطعام، نضحك، نختلف، ثم نتصالح سريعًا. كان البيت مزدحمًا بالحياة.


اليوم، الجمعة في غزة لا تشبه شيئًا سوى الصمت والجوع.


أستيقظ على أصوات الطائرات وليس رائحة الخبز. لم يبقَ لدينا طحين. أمي تحاول أن تصنع شيئًا من العدس المطحون، أو أي شيء وجدناه بعد طوابير طويلة. أبي هجرته روحه بعد أن فقدنا أخي الصغير تحت الأنقاض. لا نعرف إن كان الجمعة أصلًا، فلا أذان واضح، ولا صلاة جماعة. المسجد القريب تهدّم، والناس تؤدي صلواتها فرادى، بين الخوف والأنقاض.


كنا في الماضي نلبس الجديد يوم الجمعة، واليوم نلبس ما نملك، حتى لو كان ممزقًا. كنا نستقبل الضيوف، ونزور الأقارب. الآن، لا أحد يزور أحدًا، فالطرقات إما مدمّرة أو خطرة. حتى أحاديثنا صارت هامسة، وكل دعائنا واحد: أن نحيا حتى غد.


أحيانًا أغلق عيني، وأتظاهر أني لا أزال في جمعةٍ قديمة. أرى أمي تضحك، وأبي يمازحنا، وأخي يلعب بجانبي. لكنّي أفتحها على واقع فيه الشمس لا تُشرق، بل تُحرق. غزة لم تعد غزة، والجمعة لم تعد جمعة.


لكنني رغم الجوع والخوف، أكتب، لأقول إننا ما زلنا هنا. نعيش على الذكرى، ونحلم أن تعود جمعتنا، كما كانت: يوم حب، لا يوم نجاة.

Comments

Popular posts from this blog

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟

وجهة نظر فتاة من غزة حول أحداث لبنان وتأثيرها على غزة

حماس: "الحكم" الذي جرّ غزة إلى الحرب