فتوى الجهاد أم جهاد الفتوى؟

 

حين أصدر “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” فتواه الأخيرة التي توجب الجهاد في فلسطين على كل مسلم في الدول العربية، كان من السهل على البعض أن يغلفوا مضمونها برداء العاطفة الدينية، والاندفاع نحو ما يبدو وكأنه نداء “واجب”. لكن الحقيقة، حين نزيل عنها هذا الغلاف، تظهر بشكل مختلف تماماً: إنها ليست دعوة للجهاد بقدر ما هي دعوة للانخراط في مشروع سياسي قديم جديد، تحركه ذات الأيدي، ويغذّيه ذات الفكر الذي لطالما اختطف القضايا العادلة لأهداف خاصة.


الاتحاد، لمن لا يعرفه جيداً، هو الذراع الديني للإخوان المسلمين، يلبس عباءة الفتوى لكنه يحمل أجندة سياسية لا تخفى على أحد. كلما احتاجت جماعة الإخوان إلى تبرير موقف أو تعزيز موقع، يخرج الاتحاد بفتوى “تاريخية” تغلف المطلوب دينياً وتدفع الجمهور بعاطفة لا بوعي. ما يجري اليوم ليس استثناءً، بل هو استمرار لنفس النهج.


فتوى “الجهاد” التي وُجّهت للعالم العربي لا علاقة لها بالكرامة الفلسطينية، بل لها كل العلاقة بتثبيت نفوذ الإخوان داخل القضية، خصوصاً عبر حركة حماس. وهذه الأخيرة، بعد أن واجهت رفضاً شعبياً متزايداً داخل غزة والضفة على حد سواء، وجدت نفسها مضطرة للعودة إلى الحضن الذي طالما وفّر لها الغطاء: الإخوان. وهذا “الجهاد” المزعوم، ما هو إلا محاولة لتبييض صورتها وتلميع حضورها مجدداً، لكن هذه المرة بثوب ديني.


الشارع الفلسطيني، المنهك والمجروح، لا يرى في هذه الفتوى شيئاً من الإنصاف أو النصرة، بل يراها عبئاً جديداً. الناس سئمت الحروب التي لا تنتهي، وسئمت الموت الذي يأتي بلا جدوى. لا أحد يريد استمرار هذه الدوامة التي لم تقدم إلا المزيد من الدم والمزيد من الفقر، وكل هذا باسم “القضية”. كيف يمكن أن يُطلب من الشعوب العربية أن تزجّ بأبنائها في حرب جديدة، بينما من يدعوهم إليها يجلس خلف المنابر، ويصدر فتاوى لا يدفع ثمنها إلا الأبرياء؟


لنكن صريحين، فتوى الاتحاد لم تكن يوماً لأجل فلسطين، بل لأجل مصالح فصيل داخلها. الهدف الحقيقي اليوم هو تأمين موارد مالية وبشرية لحماس، لا أكثر. مع كل نداء بالجهاد، هناك حسابات تُفتح، وتبرعات تُجمع، وشعارات تُرفع، لكن لا أحد يسأل أين تذهب، ولا أحد يحاسب من يتاجر بالدماء.


في الختام، ليس كل من لبس عباءة الدين ناصح، وليس كل فتوى من منبر ديني هي هدى. يجب أن نكون واعين، فالقضية الفلسطينية أكبر من أن تُختزل في فتوى سياسية، وأعظم من أن تُدار من قبل جماعات تبحث عن دور. كفانا استنزافاً، وكفانا فتاوى لا تخدم إلا من أطلقها.

Comments

Popular posts from this blog

حماس: بين الوعد والمأساة

ماذا لو لم تقم حماس بطوفان 7 أكتوبر؟

فوز ترامب.. هل نجاة لغزة أم استمرار للمعاناة؟