أنا والطحين… حكاية وجع من غزة
أنا بنت من غزة. من بيت بسيط، وسط حارة دايمًا ريحتها مزروعة بخبز أمي… لما كان فيه طحين.
من لما وعيت على الدنيا، وأنا بعرف إنو الطحين مش بس مكوّن بالمطبخ. الطحين عنا هو الحياة. هو الخبز، هو الفطور، هو ريحة الغدا، وهو كمان همّ وهمّة.
كل مرة بتقطع الكهرباء، منركض نلحق نعجن قبل ما تفصل. وكل مرة بيصير فيها نقص بالطحين، منركض على المخابز، يمكن نلحق كيس صغير، أو حتى كيلو بس. كتير مرات كنا نرجع مكسورين، لا طحين ولا حتى وعد إنو رح ييجي بكرة.
بتذكر يوم كان في صوت طيارات فوق، وأبوي قال لأخويا: “روح شوف إذا لسه في خبز بالمخبز!” رجع وهو حامل كيس صغير، وقالي: “آخر كيس طحين بالمخبز… الناس اتهاوشت عليه”. قلبي وجعني مش من الجوع، من الذل، من قلة الحيلة.
الطحين صار رمز للنجاة. صرنا نشتريه متخبيين، ونخبيه متخبيين. كل كيلو بنحسبله حساب. حتى الكعك بالعيد، صار طعمه ناقص، لأنو يا دوب يكفينا نخبز خبز الحياه.
وأمي؟ أمي قلبها بيتفطر كل مرة تشوفنا قاعدين بنستنّى رغيف. كانت زمان تحكي “الأكل محبة”، هلأ بتقول “الأكل معجزة”.
غزة مش بس بتعاني من الحصار، غزة بتعيش كل يوم معركة مع الأساسيات. مع الطحين، مع الرغيف، مع الكرامة.
أنا بنت من غزة، وحكايتي مع الطحين مش فردية… حكايتي هي حكاية شعب كامل، كل أمله بكيس طحين، وكرامته بخبزة طالعين فيها من الفرن، ريحتها بتعانق سماء كلها رماد.
Comments
Post a Comment