غزة… حيث الألم لا يغادرنا أبدًا
لا أعرف كيف أبدأ، فكل الكلمات تبدو ضئيلة أمام ما نعيشه هنا. في غزة، لم نعد نعدّ الأيام، بل نعدّ الضربات. نعدّ الصواريخ التي تمرّ فوق رؤوسنا، نعدّ الليالي التي ننجو فيها بصعوبة من الموت، نعدّ أسماء الشهداء الذين كانوا بيننا بالأمس، واختفوا فجأة.
منذ بداية هذه الحرب الأخيرة، تغيّرت معاني الأشياء. لم يعد الصباح بداية ليوم جديد، بل لحظة أخرى من الخوف. لم تعد البيوت مأوى، بل جدرانًا هشة تتهاوى على ساكنيها في ثوانٍ. كل شيء صار هشًّا، حتى أرواحنا.
أكتب هذا من زاوية مظلمة في منزل فقد نصفه في قصف ليلي. نحن الآن نعيش في نصف بيت، وكأن الحرب قرّرت أن تترك لنا نصف حياة. الكهرباء نادرة، والماء مالح أحيانًا، والحزن لا يغيب عن الوجوه. أطفالي يسألونني كل ليلة: “متى تنتهي الحرب؟”، ولا أملك جوابًا سوى ضمّهم بقوة، وكأن حضني هو الحماية الوحيدة المتبقية.
الأصعب ليس فقط فقدان الأحبة، بل الاعتياد على الفقد. في غزة، نكاد نحفظ صوت الطائرات الحربية أكثر من أصوات العصافير، نحفظ أسماء الشهداء أكثر من أسماء اللاعبين، ونحفظ طرق النجاة في الشوارع المدمّرة أكثر من أسماء شوارعنا.
ومع ذلك، ورغم كل شيء، نحن لا نستسلم. كلما سقط بيت، بُنيت خيمة. كلما فُقد صوت، رفعنا صوتًا آخر مكانه. نتمسّك بالحياة وكأنها آخر معركة نخوضها. نبتسم رغم الدموع، نُعلّم أبناءنا وسط الركام، ونحلم… نعم، ما زلنا نحلم.
غزة ليست مجرد اسم على الخارطة. إنها روح تنبض فينا رغم الحصار، رغم الدمار، رغم الجراح. إنها أرض لا تعرف الانكسار، وأهلها لا يعرفون اليأس، حتى ولو كان العالم كلّه قد أدار وجهه عنّا.
Comments
Post a Comment