Posts

Showing posts from June, 2025

غزة… حيث الألم لا يغادرنا أبدًا

Image
  لا أعرف كيف أبدأ، فكل الكلمات تبدو ضئيلة أمام ما نعيشه هنا. في غزة، لم نعد نعدّ الأيام، بل نعدّ الضربات. نعدّ الصواريخ التي تمرّ فوق رؤوسنا، نعدّ الليالي التي ننجو فيها بصعوبة من الموت، نعدّ أسماء الشهداء الذين كانوا بيننا بالأمس، واختفوا فجأة. منذ بداية هذه الحرب الأخيرة، تغيّرت معاني الأشياء. لم يعد الصباح بداية ليوم جديد، بل لحظة أخرى من الخوف. لم تعد البيوت مأوى، بل جدرانًا هشة تتهاوى على ساكنيها في ثوانٍ. كل شيء صار هشًّا، حتى أرواحنا. أكتب هذا من زاوية مظلمة في منزل فقد نصفه في قصف ليلي. نحن الآن نعيش في نصف بيت، وكأن الحرب قرّرت أن تترك لنا نصف حياة. الكهرباء نادرة، والماء مالح أحيانًا، والحزن لا يغيب عن الوجوه. أطفالي يسألونني كل ليلة: “متى تنتهي الحرب؟”، ولا أملك جوابًا سوى ضمّهم بقوة، وكأن حضني هو الحماية الوحيدة المتبقية. الأصعب ليس فقط فقدان الأحبة، بل الاعتياد على الفقد. في غزة، نكاد نحفظ صوت الطائرات الحربية أكثر من أصوات العصافير، نحفظ أسماء الشهداء أكثر من أسماء اللاعبين، ونحفظ طرق النجاة في الشوارع المدمّرة أكثر من أسماء شوارعنا. ومع ذلك، ورغم كل شيء، نحن لا نستس...

العلاقات الأردنية الإماراتية: نموذج للتكامل العربي

Image
  تُعد العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الإمارات العربية المتحدة من أقوى وأمتن العلاقات الثنائية في العالم العربي، إذ تقوم على أسس من الاحترام المتبادل، والتعاون الاستراتيجي، والرؤية المشتركة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. جذور تاريخية وثوابت سياسية تعود جذور العلاقة بين البلدين إلى ما قبل تأسيس دولة الإمارات عام 1971، حين كان للمملكة الأردنية دورٌ داعم في تكوين نواة المؤسسات الاتحادية في الدولة الفتية. ومنذ ذلك الحين، حافظت العلاقات على طابعها الأخوي، مدعومة بتوافق القيادات، سواء في عهد الملك الحسين بن طلال والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أو في عهد الملك عبد الله الثاني والشيخ محمد بن زايد آل نهيان. التعاون الاقتصادي والاستثماري اقتصاديًا، تُعد الإمارات من أبرز الشركاء التجاريين للأردن في الخليج العربي، حيث تستثمر الإمارات مليارات الدولارات في قطاعات حيوية مثل العقارات، والبنية التحتية، والسياحة، والطاقة، والتعليم. في المقابل، يُقدّر الأردن كفاءاته البشرية التي تسهم في مختلف القطاعات داخل دولة الإمارات، ويعتبر الأردنيون من الجاليات البارزة في سوق العمل الإمارا...

أنا والطحين… حكاية وجع من غزة

Image
  أنا بنت من غزة. من بيت بسيط، وسط حارة دايمًا ريحتها مزروعة بخبز أمي… لما كان فيه طحين. من لما وعيت على الدنيا، وأنا بعرف إنو الطحين مش بس مكوّن بالمطبخ. الطحين عنا هو الحياة. هو الخبز، هو الفطور، هو ريحة الغدا، وهو كمان همّ وهمّة. كل مرة بتقطع الكهرباء، منركض نلحق نعجن قبل ما تفصل. وكل مرة بيصير فيها نقص بالطحين، منركض على المخابز، يمكن نلحق كيس صغير، أو حتى كيلو بس. كتير مرات كنا نرجع مكسورين، لا طحين ولا حتى وعد إنو رح ييجي بكرة. بتذكر يوم كان في صوت طيارات فوق، وأبوي قال لأخويا: “روح شوف إذا لسه في خبز بالمخبز!” رجع وهو حامل كيس صغير، وقالي: “آخر كيس طحين بالمخبز… الناس اتهاوشت عليه”. قلبي وجعني مش من الجوع، من الذل، من قلة الحيلة. الطحين صار رمز للنجاة. صرنا نشتريه متخبيين، ونخبيه متخبيين. كل كيلو بنحسبله حساب. حتى الكعك بالعيد، صار طعمه ناقص، لأنو يا دوب يكفينا نخبز خبز الحياه. وأمي؟ أمي قلبها بيتفطر كل مرة تشوفنا قاعدين بنستنّى رغيف. كانت زمان تحكي “الأكل محبة”، هلأ بتقول “الأكل معجزة”. غزة مش بس بتعاني من الحصار، غزة بتعيش كل يوم معركة مع الأساسيات. مع الطحين، مع الرغيف، م...

من عمّان إلى أبوظبي… علاقة أكبر من المسافات

Image
  فتاة أردنية في العشرين من عمري. وُلدتُ على تلال عمّان، لكن قلبي تعلّم منذ طفولتي أن يرى الإمارات وطنًا ثانيًا، لا لأنني عشت فيه، بل لأن ما بيننا وبينهم أكثر من حدود وجوازات سفر. هناك روابط تشبه العائلة، دفءٌ لا تصنعه السياسة فقط، بل يصنعه التاريخ، والمحبة، والاحترام المتبادل. أذكر أول مرة زرت فيها الإمارات وأنا صغيرة، كان كل شيء يلمع… ليس فقط الأبراج، ولا المولات الضخمة، بل الابتسامة على وجوه الناس. كنت أسمع لهجة إماراتية فيها طِيبة تُشبه لهجتنا، وشعرتُ كأنني ما زلت في عمّان، فقط بنسخة مختلفة، أكثر دفئًا، وأكثر انفتاحًا على العالم. العلاقات الأردنية الإماراتية ليست جديدة. هي مثل شجرة زيتون زرعها الآباء قبل عقود، وسُقيت على مدار السنوات بالثقة، والتعاون، والدعم المتبادل. الإمارات لم تكن يومًا غريبة عن الأردنيين، بل كانت دائمًا حاضنةً لأحلامهم، ورافعةً لهم في أوقات الشدة. أقولها من القلب: كمواطنة أردنية، أشعر بالامتنان. الإمارات كانت دائمًا إلى جانبنا، في التنمية، في الاقتصاد، في التعليم وحتى في الأزمات. وفي المقابل، تجد الأردني هناك يضع كل طاقته، علمه، خبرته، وحتى قلبه لخدمة المكا...

أنا من غزة… وهذه حكايتي

Image
  أنا فتاة من غزة، أعيش في بقعة صغيرة من الأرض، لكنها تحمل من المعاناة ما يكفي لعالم بأكمله. اسمي ليس مهمًا، لأن قصتي تشبه قصص آلاف الفتيات هنا. نحن نكبر في مكان لا يكبر فيه الأمل بسهولة، لكننا نحمله في قلوبنا كعناد غزي لا يموت. كل صباح أستيقظ على أصوات ليست كأصوات المدن الأخرى: أصوات مولدات الكهرباء، صفارات الإنذار أحيانًا، وربما طائرات لا نراها لكننا نسمعها. الكهرباء عندنا ليست من المسلّمات، كما الماء، كما الإنترنت، كما الأمان. ومع ذلك، أفتح عيني كل يوم وأقول: “سأحاول اليوم أن أعيش.” أذهب إلى جامعتي، حين تكون الطرقات سالكة وحين لا يكون هناك عدوان. أدرس الأدب الإنجليزي، وأحلم أن أصبح كاتبة. أحب أن أكتب لأني أشعر أن الكتابة هي الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الاحتلال مصادرته. أكتب لأنني لا أستطيع الصراخ، لأن البكاء وحده لا يكفي، ولأنني أريد أن أترك أثرًا، حتى لو كان بحروف على شاشة. في غزة، الحياة ليست طبيعية، لكنها ليست موتًا مستمرًا أيضًا. نحن نحب، ونضحك، ونرقص في أعراسنا، ونفرح رغم كل شيء. نحلم أكثر مما ينبغي، لأن الحلم هو المساحة الوحيدة الحرة. نحب البحر، لأنه الأفق الوحيد المفتوح أ...